فصل: باب تسليم الإمام إذا رقى المنبر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب التنفل قبل الجمعة ما لم يخرج الإمام وأن انقطاعه بخروجه إلا تحية المسجد

1 - عن نبيشة الهذلي رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إن المسلم إذا اغتسل يوم الجمعة ثم أقبل إلى المسجد لا يؤذي أحدًا فإن لم يجد الإمام خرج صلى ما بدا له وإن وجد الإمام قد خرج جلس فاستمع وأنصت حتى يقضي الإمام جمعته وكلامه إن لم يغفر له في جمعته تلك ذنوبه كلها أن تكون كفارة للجمعة التي تليها‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

الحديث في إسناده عطاء الخراساني وفيه مقال وقد وثقه الجمهور ولكنه قيل إنه لم يسمع من نبيشة‏.‏ وفيه مشروعية الغسل في يوم الجمعة وترك الأذية وقد تقدم الكلام على ذلك‏.‏ وفيه أيضًا مشروعية الاستماع والإنصات وسيأتي البحث عنهما‏.‏ وفيه مشروعية الصلاة قبل خروج الإمام والكف عنها بعد خروجه‏.‏

ـ وقد اختلف العلماء ـ هل للجمعة سنة قبلها أو لا فأنكر جماعة أن لها سنة قبلها وبالغوا في ذلك قالوا لأن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لم يكن يؤذن للجمعة إلا بين يديه ولم يكن يصليها وكذلك الصحابة لأنه إذا خرج الإمام انقطعت الصلاة‏.‏

وقد حكى ابن العربي عن الحنفية والشافعية أنه لا يصلى قبل الجمعة‏.‏ وعن مالك أنه يصلى قبلها واعترض عليه العراقي بأن الحنفية إنما يمنعون الصلاة قبل الجمعة في وقت الاستواء لا بعده وبأن الشافعية تجوز الصلاة قبل الجمعة بعد الاستواء يقولون إن وقت سنة الجمعة التي قبلها يدخل بعد الزوال وبأن البيهقي قد نقل عن الشافعي أنه قال‏:‏ من شأن الناس التهجير إلى الجمعة والصلاة إلى خروج الإمام‏.‏ قال البيهقي في المعرفة‏:‏ هذا الذي أشار إليه الشافعي موجود في الأحاديث الصحيحة وهو أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم رغب في التبكير إلى الجمعة والصلاة إلى خروج الإمام فمن الأحاديث الدالة على ذلك حديث الباب وحديث أبي هريرة الآتي‏.‏

ومنها حديث ابن عباس عند ابن ماجه والطبراني قال‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يركع قبل الجمعة أربعًا لا يفصل بينهن‏)‏ وقد ضعف النووي في الخلاصة رجال إسناده وقال‏:‏ إن ميسر بن عبيد أحد رجال إسناده وضاع صاحب أباطيل‏.‏

ومنها حديث عبد اللَّه بن مغفل عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم عند الستة بلفظ‏:‏ ‏(‏بين كل أذانين صلاة‏)‏‏.‏

ومنها حديث عبد اللَّه بن الزبير عند ابن حبان في صحيحه والدارقطني والطبراني قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها ركعتان‏)‏ وهذا والذي قبله تدخل فيهما الجمعة وغيرها‏.‏

ومنها الأحاديث الواردة في مشروعية الصلاة بعد الزوال وقد تقدمت والجمعة كغيرها‏.‏

ومنها حديث استثناء يوم الجمعة من كراهة الصلاة حال الزوال وقد تقدم‏.‏ قال العراقي‏:‏ لم ينقل عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أنه كان يصلي قبل الجمعة لأنه كان يخرج إليها فيؤذن بين يديه ثم يخطب ‏[‏وممن أنكر سنة الجمعة قبلها العلامة ابن أبي شامة من الشافعية وأطنب في الاستدلال على ذلك في كتاب الباعث على إنكار البدع والحوادث وقد ذكرت ذلك في تعليقي على إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام واللَّه أعلم‏]‏‏.‏ وقد استدل المصنف رحمه اللَّه تعالى بحديث الباب على ترك التحية بعد خروج الإمام فقال‏:‏ وفيه حجة بترك التحية كغيرها اهـ وسيأتي الكلام على هذا‏.‏

2 - وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما‏:‏ ‏(‏أنه كان يطيل الصلاة قبل الجمعة ويصلي بعدها ركعتين ويحدث أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يفعل ذلك‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

3 - وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ من اغتسل يوم الجمعة ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له ثم أنصت حتى يفرغ الإمام من خطبته ثم يصلي معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام‏)‏‏.‏

رواه مسلم‏.‏

حديث ابن عمر قال العراقي‏:‏ إسناده صحيح وأخرجه النسائي بدون قوله ‏(‏يطيل الصلاة قبل الجمعة‏)‏ قال المنذري‏:‏ وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه من وجه آخر بمعناه اهـ‏.‏

والحديثان يدلان على مشروعية الصلاة قبل الجمعة ولم يتمسك المانع من ذلك إلا بحديث النهي عن الصلاة وقت الزوال وهو مع كون عمومه مخصصًا بيوم الجمعة كما تقدم ليس فيه ما يدل على المنع من الصلاة قبل الجمعة على الإطلاق وغاية ما فيه المنع في وقت الزوال وهو غير محل النزاع‏.‏ والحاصل أن الصلاة قبل الجمعة مرغب فيها عمومًا وخصوصًا فالدليل على مدعي الكراهة على الإطلاق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فصلى ما قدر له‏)‏ فيه أن الصلاة قبل الجمعة لا حدَّ لها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم أنصت‏)‏ في رواية‏:‏ ‏(‏ثم انتصت‏)‏ بزيادة تاء فوقية قال القاضي عياض‏:‏ وهو وهم‏.‏ قال النووي‏:‏ ليس هو وهمًا بل هي لغة صحيحة ‏[‏واستدل على ذلك بقول الأزهري في شرح ألفاظ المختصر يقال أنصت ونصت وانتصت ثلاث لغات‏]‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى يفرغ الإمام‏)‏ قال النووي‏:‏ هو في الأصول بدون ذكر الإمام وعاد الضمير إليه للعلم به وإن لم يكن مذكورًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفضل ثلاثة أيام‏)‏ هو بنصب فضل على الظرف كما قال النووي قال‏:‏ قال العلماء معنى المغفرة له ما بين الجمعتين وثلاثة أيام أن الحسنة بعشر أمثالها وصار يوم الجمعة الذي فعل فيه هذه الأفعال الجميلة في معنى الحسنة التي تجعل بعشر أمثالها‏.‏ قال بعض العلماء‏:‏ والمراد بما بين الجمعتين من صلاة الجمعة وخطبتها إلى مثل ذلك الوقت حتى يكون سبعة أيام بلا زيادة ولا نقصان ويضم إليها ثلاثة فتصير عشرة‏.‏

4 - وعن أبي سعيد رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏أن رجلًا دخل المسجد يوم الجمعة ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يخطب على المنبر فأمره أن يصلي ركعتين‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا أبا داود وصححه الترمذي ولفظه‏:‏ ‏(‏أن رجلًا جاء يوم الجمعة في هيئة بذة والنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يخطب فأمره فصلى ركعتين والنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يخطب‏)‏ قلت‏:‏ وهذا يصرح بضعف ما روي أنه أمسك عن خطبته حتى فرغ من الركعتين‏.‏

5 - وعن جابر رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏دخل رجل يوم الجمعة ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يخطب فقال‏:‏ صليت قال‏:‏ لا قال‏:‏ فصل ركعتين‏)‏‏.‏

رواه الجماعة‏.‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما‏)‏ رواه أحمد ومسلم وأبو داود‏.‏

وفي رواية‏:‏ ‏(‏إذا جاء أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الإمام فليصل ركعتين‏)‏ متفق عليه‏.‏

وفي الباب عن سهل بن سعد عند ابن أبي حاتم في العلل وأشار إليه الترمذي بنحو حديث أبي سعيد‏.‏

وعن أبي قتادة عند الأئمة الستة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين‏)‏ وقد تقدم‏.‏

وعن أنس عند الدارقطني قال‏:‏ ‏(‏جاء رجل ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يخطب فقال له النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ قم فاركع ركعتين وأمسك من الخطبة حتى فرغ من صلاته‏)‏ قال الدارقطني‏:‏ أسنده عبيد بن محمد العبدي عن معتمر عن أبيه عن قتادة عن أنس ووهم فيه والصواب عن معتمر عن أبيه كذلك رواه أحمد بن حنبل وغيره عن معتمر ثم رواه من طريق أحمد مرسلًا‏.‏ وعبيد بن محمد هذا روى عنه أبو حاتم وإنما حكم عليه الدارقطني بالوهم لمخالفته من هو أحفظ منه أحمد بن حنبل وغيره‏.‏ وهذا الحديث هو الذي أشار إليه المصنف‏.‏

وفي الباب أيضًا عن سليك عند أحمد قال‏:‏ ‏(‏قال النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ إذا جاء أحدكم والإمام يخطب فليصل ركعتين خفيفتين‏)‏ ورواه أيضًا ابن عدي في الكامل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن رجلًا‏)‏ وكذلك قوله ‏(‏دخل رجل‏)‏ هو سليك بمهملة مصغرًا ابن هدية‏.‏ وقيل ابن عمرو الغطفاني وقع مسمى في هذه القصة عند مسلم وأبي داود والدارقطني‏.‏ وقيل هو النعمان بن قوقل كذا وقع عند الطبراني من رواية منصور بن أبي الأسود عن الأعمش‏.‏ قال أبو حاتم الرازي‏:‏ وهم فيه منصور ووقع عند الطبراني أيضًا من طريق أبي صالح عن أبي ذر أنه‏:‏ ‏(‏أتى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وهو يخطب فقال له‏:‏ صليت ركعتين‏)‏ الحديث‏.‏ وفي إسناده ابن لهيعة‏.‏ قال الحافظ‏:‏ المشهور عن أبي ذر أنه جاء إلى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وهو جالس في المسجد كذا عند ابن حبان وغيره‏.‏ وعند الدارقطني‏:‏ جاء رجل من قيس المسجد فذكر نحو قصة سليك‏.‏ قال الحافظ‏:‏ لا يخالف كونه سليكًا فإن غطفان من قيس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صليت‏)‏ قال الحافظ‏:‏ كذا للأكثر بحذف همزة الاستفهام وثبتت في رواية الأصيلي‏.‏

والأحاديث المذكورة في الباب تدل على مشروعية تحية المسجد حال الخطبة وإلى ذلك ذهب الحسن وابن عيينة والشافعي وأحمد وإسحاق ومكحول وأبو ثور وابن المنذر وحكاه النووي عن فقهاء المحدثين‏.‏ وحكى ابن العربي أن محمد بن الحسن حكاه عن مالك‏.‏ وذهب الثوري وأهل الكوفة إلى أنه يجلس ولا يصليهما حال الخطبة حكى ذلك الترمذي وحكاه القاضي عياض عن مالك والليث وأبي حنيفة وجمهور السلف من الصحابة والتابعين‏.‏ وحكاه العراقي عن محمد بن سيرين وشريح القاضي والنخعي وقتادة والزهري‏.‏ ورواه ابن أبي شيبة عن علي وابن عمر وابن عباس وابن المسيب ومجاهد وعطاء بن أبي رباح وعروة بن الزبير ورواه النووي عن عثمان وإلى ذلك ذهبت الهادوية وأجابوا عن أمره صلى اللَّه عليه وآله وسلم لسليك بأن ذلك واقعة عين لا عموم لها فيحتمل اختصاصها بسليك قالوا ويدل على ذلك ما وقع في حديث أبي سعيد أن الرجل كان في هيئة بذة فقال له‏:‏ أصليت قال‏:‏ لا قال‏:‏ صل الركعتين وحض الناس على الصدقة فأمره أن يصلي ليراه الناس وهو قائم فيتصدقون عليه‏.‏ ويؤيده أن في هذا الحديث عند أحمد‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إن هذا الرجل دخل في هيئة بذة وأنا أرجو أن يفطن له رجل فيتصدق عليه‏)‏ ويؤيده أيضًا قوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم لسليك في آخر الحديث‏:‏ ‏(‏لا تعودن لمثل هذا‏)‏ أخرجه ابن حبان وردَّ هذا الجواب بأن الأصل عدم الخصوصية والتعليل بكونه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قصد التصدق عليه لا يمنع القول بجواز التحية فإن المانعين لا يجوزون الصلاة في هذا الوقت لعلة التصدق ولو ساغ هذا لساغ مثله في سائر الأوقات المكروهة ولا قائل به كذا قال ابن المنير‏.‏ ومما يرد هذا التأويل ما في الباب من قوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إذا جاء أحدكم يوم الجمعة‏)‏ الخ فإن هذا نص لا يتطرق إليه التأويل‏.‏ قال النووي‏:‏ لا أظن عالمًا يبلغه هذا اللفظ صحيحًا فيخالفه اهـ‏.‏

قال الحافظ‏:‏ والحامل للمانعين على التأويل المذكور أنهم زعموا أن ظاهره معارض لقوله تعالى ‏{‏وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له‏}‏ وقوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب فقد لغوت‏)‏ متفق عليه‏.‏ قالوا‏:‏ فإذا امتنع الأمر بالمعروف وهو أمر اللاغي بالإنصات فمنع التشاغل بالتحية مع طول زمنها أولى وعارضوا أيضًا بقوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم للذي دخل يتخطى رقاب الناس وهو يخطب‏:‏ ‏(‏قد آذيت‏)‏ وقد تقدم قالوا‏:‏ فأمره بالجلوس ولم يأمره بالتحية‏.‏ وبما أخرجه الطبراني من حديث ابن عمر رفعه‏:‏ ‏(‏إذا دخل أحدكم المسجد والإمام على المنبر فلا صلاة ولا كلام حتى يفرغ الإمام‏)‏‏.‏

ويجاب عن ذلك كله بإمكان الجمع وهو مقدم على المعارضة المؤدية إلى إسقاط أحد الدليلين أما في الآية فليست الخطبة قرآنًا وما فيها من القرآن الأمر بالإنصات حال قراءته عام مخصص بأحاديث الباب‏.‏ وأما حديث ‏(‏إذا قلت لصاحبك أنصت‏)‏ فهو وارد في المنع من المكالمة للغير ولا مكالمة في الصلاة ولو سلم أنه يتناول كل كلام حتى الكلام في الصلاة لكان عمومًا مخصصًا بأحاديث الباب‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وأيضًا فمصلي التحية يجوز أن يطلق عليه أنه منصت لحديث أبي هريرة المتقدم أنه قال‏:‏ ‏(‏يا رسول اللَّه سكوتك بين التكبيرة والقراءة ما تقول فيه‏)‏ فأطلق على القول سرًا السكوت‏.‏

وأما أمره صلى اللَّه عليه وآله وسلم لمن دخل يتخطى الرقاب بالجلوس فذلك واقعة عين ولا عموم لها فيحتمل أن يكون أمره بالجلوس قبل مشروعيتها أو أمره بالجلوس بشرطه وهو فعل التحية وقد عرفه قبل ذلك أو ترك أمره بالتحية لبيان الجواز أو لكون دخوله وقع في آخر الخطبة وقد ضاق الوقت عن التحية‏.‏ وأما حديث ابن عمر فهو ضعيف لأن في إسناده أيوب بن نهيك قال أبو زرعة وأبو حاتم‏:‏ منكر الحديث والأحاديث الصحيحة لا تعارض بمثله وقد أجاب المانعون عن أحاديث الباب بأجوبة غير ما تقدم وهي زيادة على عشرة أوردها الحافظ في الفتح بعضها ساقط لا ينبغي الاشتغال بذكره وبعضها لا ينبغي إهماله فمن البعض الذي لا ينبغي إهماله قولهم أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم سكت عن خطبته حتى فرغ سليك من صلاته قالوا‏:‏ ويدل على ذلك حديث أنس المتقدم ويجاب عن ذلك بأن الدارقطني وهو الذي أخرجه قال‏:‏ إنه مرسل أو معضل وأيضًا يعارضه اللفظ الذي أورده المصنف عن الترمذي على أنه لو تم لهم الاعتذار عن حديث سليك بمثل هذا لما تم لهم الاعتذار بمثله عن بقية أحاديث الباب المصرحة بأمر كل أحد إذا دخل المسجد والإمام يخطب أن يوقع الصلاة حال الخطبة‏.‏

ومنها أنه لما تشاغل صلى اللَّه عليه وآله وسلم بمخاطبة سليك سقط فرض الاستماع إذ لم يكن منه صلى اللَّه عليه وآله وسلم خطبة في تلك الحال‏.‏ وقد ادعى ابن العربي أن هذا أقوى الأجوبة‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وهو أضعفها لأن المخاطبة لما انقضت رجع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إلى خطبته وتشاغل سليك بامتثال ما أمره به من الصلاة فصح أنه صلى حال الخطبة‏.‏

ومنها أنهم اتفقوا على أن الإمام يسقط عنه التحية مع أنه لم يكن قد شرع في الخطبة فسقوطها على المأموم بطريق الأولى وتعقب بأنه قياس في مقابلة النص وهو فاسد الاعتبار‏.‏

ومنها عمل أهل المدينة خلفًا عن سلف من لدن الصحابة إلى عهد مالك أن التنفل في حال الخطبة ممنوع مطلقًا‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وتعقب بمنع اتفاق أهل المدينة فقد ثبت فعل التحية عن أبي سعيد روى ذلك عنه الترمذي وابن خزيمة وصححاه وهو من فقهاء الصحابة من أهل المدينة وحمله عنه أصحابه من أهل المدينة ولم يثبت عن أحد من الصحابة صريحًا ما يخالف ذلك وأما ما نقله ابن بطال عن عمر وعثمان وغير واحد من الصحابة من المنع مطلقًا فاعتماده في ذلك على روايات عنهم فيها احتمال على أنه لا حجة في فعل أهل المدينة ولا في إجماعهم على فرض ثبوته كما تقرر في الأصول‏.‏

قوله في حديث الباب‏:‏ ‏(‏وليتجوز فيهما‏)‏ فيه مشروعية التخفيف لتلك الصلاة ليتفرغ لسماع الخطبة ولا خلاف في ذلك بين القائلين بأنها تشرع صلاة التحية حال الخطبة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فليصل ركعتين‏)‏ فيه أن داخل المسجد حال الخطبة يقتصر على ركعتين‏.‏ قال المصنف رحمه اللَّه تعالى‏:‏ ومفهومه يمنع من تجاوز الركعتين بمجرد خروج الإمام وإن لم يتكلم‏.‏ وفي رواية عن أبي هريرة وجابر قالا‏:‏ ‏(‏جاء سليك الغطفاني ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يخطب فقال له‏:‏ أصليت ركعتين قبل أن تجيء قال‏:‏ لا قال‏:‏ فصل ركعتين وتجوز فيهما‏)‏ رواه ابن ماجه ورجال إسناده ثقات‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏قبل أن تجيء‏)‏ يدل على أن هاتين الركعتين سنة للجمعة قبلها وليستا تحية للمسجد اهـ‏.‏ حديث ابن ماجه هذا هو كما قال المصنف وصححه العراقي وقد أخرجه أيضًا أبو داود من حديث أبي هريرة والبخاري ومسلم من حديث جابر‏.‏

وقد ذهب إلى مثل ما قال المصنف الأوزاعي فقال‏:‏ إن كان صلى في البيت قبل أن يجيء فلا يصلي إذا دخل المسجد وتعقب بأن المانع من صلاة التحية لا يجيز التنفل حال الخطبة مطلقًا‏.‏

قال في الفتح‏:‏ ويحتمل أن يكون معنى قبل أن تجيء أي إلى الموضع الذي أنت فيه‏.‏

وفائدة الاستفهام احتمال أن يكون صلاها في مؤخر المسجد ثم تقدم ليقرب من سماع الخطبة كما تقدم في قصة الذي تخطى ويؤيده أن في رواية لمسلم‏:‏ ‏(‏أصليت الركعتين‏)‏ بالألف واللام وهو للعهد ولا عهد هناك أقرب من تحية المسجد‏.‏

 باب ما جاء في التجميع قبل الزوال وبعده

1 - عن أنس رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي الجمعة حين تميل الشمس‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي‏.‏

2 - وعنه رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏كنا نصلي مع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم الجمعة ثم نرجع إلى القائلة فنقيل‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري‏.‏

3 - وعنه رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا اشتد البرد بكر بالصلاة وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة يعني الجمعة‏)‏‏.‏

رواه البخاري هكذا‏.‏

4 - وعن سلمة بن الأكوع رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏كنا نجمع مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء‏)‏‏.‏

أخرجاه‏.‏

5 - وعن سهل بن سعد رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة‏)‏‏.‏

رواه الجماعة وزاد أحمد ومسلم والترمذي‏:‏ ‏(‏في عهد النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏)‏‏.‏

6 - وعن جابر رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يصلي الجمعة ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حين تزول الشمس يعني النواضح‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم والنسائي ‏.‏

7 - وعن عبد اللَّه بن سيدان السلمي رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت خطبته وصلاته قبل نصف النهار ثم شهدتها مع عمر فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول انتصف النهار ثم شهدتها مع عثمان فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول زال النهار فما رأيت أحدًا عاب ذلك ولا أنكره‏)‏‏.‏

رواه الدارقطني والإمام أحمد في رواية ابنه عبد اللَّه واحتج به‏.‏ وقال‏:‏ وكذلك روي عن ابن مسعود وجابر وسعيد ومعاوية أنهم صلوها قبل الزوال‏)‏‏.‏

أثر عبد اللَّه بن سيدان السلمي فيه مقال لأن البخاري قال‏:‏ لا يتابع على حديثه وحكي في الميزان عن بعض العلماء أنه قال‏:‏ هو مجهول لا حجة فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حين تميل الشمس‏)‏ فيه إشعار بمواظبته صلى اللَّه عليه وآله وسلم على صلاة الجمعة إذا زالت الشمس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنا نصلي الجمعة مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم ثم نرجع إلى القائلة فنقيل‏)‏ وفي لفظ للبخاري‏:‏ ‏(‏كنا نبكر بالجمعة ونقيل بعد الجمعة‏)‏ وفي لفظ له أيضًا‏:‏ ‏(‏كنا نصلي مع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم الجمعة ثم تكون القائلة‏)‏ وظاهر ذلك أنهم كانوا يصلون الجمعة باكر النهار‏.‏ قال الحافظ‏:‏ لكن طريق الجمع أولى من دعوى التعارض وقد تقرر أن التبكير يطلق على فعل الشيء في أول وقته أو تقديمه على غيره وهو المراد هنا والمعنى أنهم كانوا يبدؤون بالصلاة قبل القيلولة بخلاف ما جرت به عادتهم في صلاة الظهر في الحر فإنهم كانوا يقيلون ثم يصلون لمشروعية الإبراد اهـ‏.‏ والمراد بالقائلة المذكورة في الحديث نوم نصف النهار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا اشتد البرد بكر بالصلاة‏)‏ أي صلاها في أول وقتها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة يعني الجمعة‏)‏ يحتمل أن يكون قوله يعني الجمعة من كلام التابعي أو من دونه أخذه قائله مما فهمه من التسوية بين الجمعة والظهر عند أنس ويؤيده ما عند الإسماعيلي عن أنس من طريق أخرى وليس فيه قوله يعني الجمعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نجمع‏)‏ هو بتشديد الميم المكسورة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نتتبع الفيء‏)‏ فيه تصريح بأنه قد وجد في ذلك الوقت فيء يسير‏.‏

قال النووي‏:‏ إنما كان ذلك لشدة التبكير وقصر حيطانهم‏.‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ ‏(‏ثم ننصرف وليس للحيطان ظل نستظل به‏)‏ وفي رواية لمسلم‏:‏ ‏(‏وما نجد فيئًا نستظل به‏)‏ والمراد نفي الظل الذي يستظل به لا نفي أصل الظل كما هو الأكثر الأغلب من توجه النفي إلى القيود الزائدة ويدل على ذلك قوله‏:‏ ‏(‏ثم نرجع نتتبع الفيء‏)‏ قيل وإنما كان كذلك لأن الجدرات كانت في ذلك العصر قصيرة لا يستظل بظلها إلا بعد توسط الوقت فلا دلالة في ذلك على أنهم كانوا يصلون قبل الزوال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة‏)‏ فيه دليل لمن قال بجواز صلاة الجمعة قبل الزوال وإلى ذلك ذهب أحمد بن حنبل واختلف أصحابه في الوقت الذي تصبح فيه قبل الزوال هل هو الساعة السادسة أو الخامسة أو وقت دخول وقت صلاة العيد‏.‏

ووجه الاستدلال به أن الغداء والقيلولة محلهما قبل الزوال‏.‏ وحكوا عن ابن قتيبة أنه قال‏:‏ لا يسمى غداء ولا قائلة بعد الزوال‏.‏ وأيضًا قد ثبت‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يخطب خطبتين ويجلس بينهما يقرأ القرآن ويذكر الناس‏)‏ كما في مسلم من حديث أم هشام بنت حارثة أخت عمرة بنت عبد الرحمن أنها قالت‏:‏ ‏(‏ما حفظت ق والقرآن المجيد إلا من في رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو يقرأها على المنبر كل جمعة‏)‏ وعند ابن ماجه من حديث أُبيِّ بن كعب ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قرأ يوم الجمعة تبارك وهو قائم يذكر بأيام اللَّه وكان يصلي الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين كما ثبت ذلك عند مسلم من حديث علي وأبي هريرة وابن عباس ولو كانت خطبته وصلاته بعد الزوال لما انصرف منها إلا وقد صار للحيطان ظل يستظل به وقد خرج وقت الغداء والقائلة وأصرح من هذا حديث جابر المذكور في الباب فإنه صرح بأن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يصلي الجمعة ثم يذهبون إلى جمالهم فيريحونها عند الزوال ولا ملجئ إلى التأويلات المتعسفة التي ارتكبها الجمهور واستدلالهم بالأحاديث القاضية بأنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلى الجمعة بعد الزوال لا ينفي الجواز قبله‏.‏

وقد أغرب ابن العربي فنقل الإجماع على أنها لا تجب حتى تزول الشمس إلا ما نقل عن أحمد وهو مردود فإنه قد نقل ابن قدامة وغيره عن جماعة من السلف مثل قول أحمد‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة من طريق عبد اللَّه بن سلمة أنه قال‏:‏ صلى بنا عبد اللَّه بن مسعود الجمعة ضحى وقال‏:‏ خشيت عليكم الحر‏.‏

وأخرج من طريق سعيد بن سويد قال‏:‏ صلى بنا معاوية الجمعة ضحى‏.‏ وكذلك روي عن جابر وسعيد بن زيد كما في رواية أحمد التي ذكرها المصنف وروى مثل ذلك ابن أبي شيبة في المصنف عن سعد ابن أبي وقاص‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعن عبد اللَّه بن سيدان السلمي‏)‏ أخرج هذا الأثر أيضًا أبو نعيم شيخ البخاري في كتاب الصلاة وابن أبي شيبة‏.‏ قال الحافظ‏:‏ ورجاله ثقات إلا عبد اللَّه ابن سيدان فإنه تابعي كبير إلا أنه غير معروف العدالة‏.‏ قال ابن عدي‏:‏ يشبه المجهول‏.‏ وقال البخاري‏:‏ لا يتابع على حديثه وقد عارضه ما هو أقوى منه روى ابن أبي شيبة من طريق سويد بن غفلة أنه صلى مع أبي بكر وعمر حين تزول الشمس وإسناده قوي ‏.‏

 باب تسليم الإمام إذا رقى المنبر والتأذين إذا جلس عليه واستقبال المأمومين له

1 - عن جابر رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان إذا صعد المنبر سلم‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه وفي إسناده ابن لهيعة‏.‏ وهو للأثرم في سننه عن الشعبي عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم مرسلًا‏.‏

الحديث أخرجه الأثرم عن أبي بكر ابن أبي شيبة عن أبي أسامة عن مجالد عن الشعبي قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا صعد المنبر يوم الجمعة استقبل الناس فقال السلام عليكم‏)‏ وأخرجه أيضًا ابن أبي شيبة عن الشعبي مرسلًا وإسناد ابن ماجه فيه ابن لهيعة كما قال المصنف وهو ضعيف‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن ابن عمر عند ابن عدي‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان إذا دنا من المنبر سلم على من عند المنبر ثم صعد فإذا استقبل الناس بوجهه سلم ثم قعد‏)‏ وأخرجه أيضًا الطبراني والبيهقي وفي إسناده عيسى بن عبد اللَّه الأنصاري وقد ضعفه ابن عدي وابن حبان‏.‏

ـ وفي الباب ـ أيضًا عن عطاء مرسلًا كذا قال الحافظ في التلخيص‏.‏ وقال الشافعي‏:‏ بلغنا عن سلمة بن الأكوع أنه قال‏:‏ خطب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم خطبتين وجلس جلستين وحكى الذي حدثني قال‏:‏ استوى صلى اللَّه عليه وآله وسلم على الدرجة التي تلي المستراح قائمًا ثم سلم ثم جلس على المستراح حتى فرغ المؤذن من الأذان ثم قام فخطب ثم جلس ثم قام فخطب الثانية‏.‏

والحديث يدل على مشروعية التسليم من الخطيب على الناس بعد أن يرقى المنبر وقبل أن يؤذن المؤذن‏.‏ وقال في الانتصار‏:‏ بعد فراغ المؤذن‏.‏ وقال أبو حنيفة ومالك‏:‏ إنه مكروه قالا‏:‏ لأن سلامه عند دخوله المسجد مغنٍ عن الإعادة‏.‏

2 - وعن السائب بن يزيد رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء ولم يكن للنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم مؤذن غير واحد‏)‏‏.‏

رواه البخاري والنسائي وأبو داود‏.‏ وفي رواية لهم‏:‏ ‏(‏فلما كانت خلافة عثمان وكثروا أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث فأذن به على الزوراء فثبت الأمر على ذلك‏)‏ ولأحمد والنسائي‏:‏ ‏(‏كان بلال يؤذن إذا جلس النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم على المنبر ويقيم إذا نزل‏)‏‏.‏

3 - وعن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده قال‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا قام على المنبر استقبله أصحابه بوجوههم‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه‏.‏

حديث عدي بن ثابت قال ابن ماجه‏:‏ أرجو أن يكون متصلًا قال‏:‏ ووالد عدي لا صحبة له إلا أن يراد بأبيه جده أبو أبيه فله صحبة على رأي بعض الحفاظ من المتأخرين وأخرج نحوه الترمذي عن ابن مسعود بلفظ‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا استوى على المنبر استقبلناه بوجوهنا‏)‏ وفي إسناده محمد بن الفضل بن عطية وهو ضعيف‏.‏ قال الترمذي‏:‏ ذاهب الحديث قال‏:‏ ولا يصح في هذا الباب شيء‏.‏

قال الحافظ في بلوغ المرام‏:‏ وله شاهد من حديث البراء عند ابن خزيمة اهـ‏.‏

وفي الباب عن أبي سعيد عند البخاري ومسلم والنسائي قال‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم جلس يومًا على المنبر وجلسنا حوله‏)‏ بوب عليه البخاري باب استقبال الناس الإمام إذا خطب‏.‏

وفي الباب أيضًا عن مطيع أبي يحيى عن أبيه عن جده قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا قام استقبلناه بوجوهنا‏)‏ ومطيع هذا مجهول وقد تقدم من حديث ابن عمر أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يستقبل الناس بوجهه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان النداء يوم الجمعة‏)‏ في رواية لابن خزيمة‏:‏ ‏(‏كان ابتداء النداء الذي ذكره اللَّه تعالى في القرآن يوم الجمعة‏)‏ وله في رواية‏:‏ ‏(‏كان الأذان على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر أذانين يوم الجمعة‏)‏ وفسر الأذانين بالأذان والإقامة يعني تغليبًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا جلس الإمام‏)‏ قال المهلب‏:‏ الحكمة في جعل الأذان في هذا المحل ليعرف الناس جلوس الإمام على المنبر فينصتون له إذا خطب‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وفيه نظر لما عند الطبراني وغيره في هذا الحديث‏:‏ ‏(‏أن بلالًا كان يؤذن على باب المسجد‏)‏ فالظاهر أنه كان لمطلق الإعلام لا لخصوص الإنصات‏.‏ نعم لما زيد الأذان الأول كان للإعلام وكان الذي بين يدي الخطيب للإنصات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما كان عثمان‏)‏ أي خليفة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكثر الناس‏)‏ أي بالمدينة كما هو مصرح به في رواية وكان أمره بذلك بعد مضي مدة من خلافته كما عند أبي نعيم في المستخرج‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏زاد النداء الثالث‏)‏ في رواية‏:‏ ‏(‏فأمر عثمان بالنداء الأول‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏التأذين الثاني أمر به عثمان‏)‏ ولا منافاة لأنه سمي ثالثًا باعتبار كونه مزيدًا وأولًا باعتبار كون فعله مقدمًا على الأذان والإقامة وثانيًا باعتبار الأذان الحقيقي لا الإقامة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على الزوراء‏)‏ بفتح الزاي وسكون الواو بعدها راء ممدودة‏.‏ قال البخاري‏:‏ هي موضع بسوق المدينة قال الحافظ‏:‏ وهو المعتمد‏.‏ وقال ابن بطال‏:‏ هو حجر كبير عند باب المسجد‏.‏ وردَّ بما عند ابن خزيمة وابن ماجه عن الزهري أنها دار بالسوق يقال لها الزوراء‏.‏

وعند الطبراني‏:‏ ‏(‏فأمر بالنداء الأول على دار يقال لها الزوراء فكان يؤذن عليها فإذا جلس على المنبر أذن مؤذنه الأول فإذا نزل أقام الصلاة‏)‏‏.‏

قال في الفتح‏:‏ والذي يظهر أن الناس أخذوا بفعل عثمان في جميع البلاد إذ ذاك لكونه كان خليفة مطاع الأمر لكن ذكر الفاكهاني أن أول من أحدث الأذان بمكة الحجاج وبالبصرة زياد‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وبلغني أن أهل الغرب الأدنى الآن لا تأذين عندهم سوى مرة‏.‏ وروى ابن أبي شيبة من طريق ابن عمر قال‏:‏ الأذان الأول يوم الجمعة بدعة فيحتمل أن يكون قال ذلك على سبيل الإنكار ويحتمل أن يريد أنه لم يكن في زمن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وكل ما لم يكن في زمنه يسمى بدعة وتبين بما مضى أن عثمان أحدثه لإعلام الناس بدخول وقت الصلاة قياسًا على بقية الصلوات وألحق الجمعة بها وأبقى خصوصيتها بالأذان بين يدي الخطيب‏.‏

وأما ما أحدث الناس قبل الجمعة من الدعاء إليها بالذكر والصلاة على النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فهو في بعض البلاد دون بعض وإتباع السلف الصالح أولى كذا في الفتح‏.‏ وقد روي عن معاذ أن عمر هو الذي أحدث ذلك وإسناده منقطع ومعاذ أيضًا خرج من المدينة إلى الشام في أول غزو الشام واستمر في الشام إلى أن مات في طاعون عمواس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏غير مؤذن واحد‏)‏ فيه أنه قد اشتهر أنه كان للنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم جماعة من المؤذنين منهم بلال وابن أم مكتوم وسعد القرظ وأبو محذورة‏.‏ وأجيب بأنه أراد في الجمعة وفي مسجد المدينة ولم ينقل أن ابن أم مكتوم كان يؤذن يوم الجمعة بل الذي ورد عنه التأذين يوم الجمعة بلال وأبو محذورة جعله صلى اللَّه عليه وآله وسلم مؤذنًا بمكة وسعد جعله بقباء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏استقبله أصحابه بوجوههم‏)‏ ‏[‏رواية الترمذي عن عبد اللَّه بن مسعود بلفظ‏:‏ ‏(‏قال‏:‏ كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا استوى على المنبر استقبلناه بوجوهنا‏)‏ وفي إسناده محمد بن الفضل بن عطية وهو ضعيف‏.‏ وهو يدل على أن استقبال الناس الخطيب مواجهين له أمر مستمر من إفادة قوله كان وهو في حكم المجمع عليه واللَّه أعلم‏]‏‏.‏ فيه مشروعية استقبال الناس للخطيب حال الخطبة وأحاديث الباب وإن كانت غير بالغة إلى درجة الاعتبار فقد شد عضدها عمل السلف والخلف على ذلك‏.‏ قال ابن المنذر‏:‏ وهذا كالإجماع‏.‏ وقال الترمذي‏:‏ العمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وغيرهم يستحبون استقبال الإمام إذا خطب وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق‏.‏

قال العراقي‏:‏ وغيرهم عطاء بن أبي رباح وشريح ومالك والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وابن جابر ويزيد بن أبي مريم وأصحاب الرأي‏.‏ وروي عن ابن المسيب والحسن أنهما كان لا ينحرفان إليه وهل المراد باستقبال السامعين للخطيب أن يستقبله من يواجهه أو جميع أهل المسجد حتى أن من كان في الصف الأول والثاني وإن طالت الصفوف ينحرفون بأبدانهم أو بوجوههم لسماع الخطبة قال العراقي‏:‏ والظاهر أن المراد بذلك من يسمع الخطبة دون من بعد فلم يسمع فاستقبال القبلة أولى به من توجهه لجهة الخطبة‏.‏ وروي عن الإمام شرف الدين أنه يجب على العدد الذي تنعقد بهم الجمعة المواجهة دون غيرهم وأوجب الاستقبال المذكور أبو الطيب الطبري صرح بذلك في تعليقه‏.‏

 باب اشتمال الخطبة على حمد اللَّه تعالى والثناء على رسوله صلى اللَّه تعالى عليه وآله وسلم والموعظة والقراءة

1 - عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد للّه فهو أجذم‏)‏‏.‏

رواه أبو داود وأحمد بمعناه‏.‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏الخطبة التي ليس فيها شهادة كاليد الجذماء‏)‏ رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال‏:‏ تشهد بدل شهادة‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا باللفظ الأول النسائي وابن ماجه وأبو عوانة والدارقطني وابن حبان والبيهقي واختلف في وصله وإرساله فرجح النسائي والدارقطني الإرسال‏.‏ واللفظ الآخر من حديث الباب حسنه الترمذي وأخرج ابن حبان والعسكري وأبو داود عن أبي هريرة مرفوعًا‏:‏ ‏(‏كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد اللَّه تعالى فهو أقطع‏)‏ ‏.‏

وفي الباب عن كعب بن مالك عند الطبراني في الكبير والرهاوي مرفوعًا‏:‏ ‏(‏كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد أقطع‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أجذم‏)‏ روي بالحاء المهملة وبالجيم المعجمة ثم بالذال المعجمة والأول من الحذم وهو القطع والثاني المراد به الداء المعروف‏.‏ شبه الكلام الذي لا يبتدأ فيه بحمد اللَّه تعالى بإنسان مجذوم تنفيرًا عنه وإرشادًا إلى استفتاح الكلام بالحمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليس فيها شهادة‏)‏ أي شهادة أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه‏.‏

وقد استدل المصنف بالحديث على مشروعية الحمد للَّه في الخطبة لأنها في الرواية الأولى داخلة تحت عموم الكلام وسيأتي الخلاف في ذلك وبيان ما هو الحق‏.‏

2 - وعن ابن مسعود رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان إذا تشهد قال‏:‏ الحمد للَّه نستعينه ونستغفره ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا من يهده اللَّه فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرًا ونذيرًا بين يدي الساعة من يطع اللَّه تعالى ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر اللَّه تعالى شيئًا‏)‏‏.‏

3 - وعن ابن شهاب رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏أنه سئل عن تشهد النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يوم الجمعة فذكر نحوه وقال‏:‏ ومن يعصهما فقد غوى‏)‏‏.‏

رواهما أبو داود‏.‏

الحديث الأول في إسناده عمران بن داور أبو العوام البصري قال عفان كان ثقة واستشهد به البخاري‏.‏ وقال يحيى بن معين والنسائي‏:‏ ضعيف الحديث‏.‏ وقال مرة‏:‏ ليس بشيء وقال يزيد بن زريع‏:‏ كان عمران حروريًا وكان يرى السيف على أهل القبلة‏.‏ وقد صحح إسناد هذا الحديث النووي في شرح مسلم والحديث الثاني مرسل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقد رشد‏)‏ بكسر الشين المعجمة وفتحها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومن يعصهما‏)‏ فيه جواز التشريك بين ضمير اللَّه تعالى ورسوله ويؤيد ذلك ما ثبت في الصحيح عنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بلفظ‏:‏ ‏(‏أن يكون اللَّه تعالى ورسوله أحب إليه مما سواهما‏)‏ وما ثبت أيضًا‏:‏ ‏(‏أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أمر مناديًا ينادي يوم خيبر‏:‏ إن اللَّه ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية‏)‏‏.‏

وأما ما في صحيح مسلم وسنن أبي داود والنسائي من حديث عدي بن حاتم‏:‏ ‏(‏أن خطيبًا خطب عند النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ من يطع اللَّه تعالى ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى فقال له صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ بئس الخطيب أنت قل ومن يعص اللَّه تعالى ورسوله فقد غوى‏)‏ فمحمول على ما قال النووي من أن سبب الإنكار عليه أن الخطبة شأنها البسط والإيضاح واجتناب الإشارات والرموز قال‏:‏ ولهذا ثبت أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا لتفهم عنه قال‏:‏ وإنما ثنى الضمير في مثل قوله‏:‏ ‏(‏أن يكون اللَّه ورسوله أحب إليه مما سواهما‏)‏ لأنه ليس خطبة وعظ وإنما هو تعليم حكم فكل ما قل لفظه كان أقرب إلى حفظه بخلاف خطبة الوعظ فإنه ليس المراد حفظها وإنما يراد الاتعاظ بها ولكنه يرد عليه أنه قد وقع الجمع بين الضميرين منه صلى اللَّه عليه وآله وسلم في حديث الباب وهو وارد في الخطبة لا في تعليم الأحكام‏.‏

وقال القاضي عياض وجماعة من العلماء أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم إنما أنكر على الخطيب تشريكه في الضمير المقتضي للتسوية وأمره بالعطف تعظيمًا للّه تعالى بتقديم اسمه كما قال صلى اللَّه عليه وآله وسلم في الحديث الآخر‏:‏ ‏(‏لا يقل أحدكم ما شاء اللَّه وشاء فلان ولكن ليقل ما شاء اللَّه ثم ما شاء فلان‏)‏ ويرد على هذا ما قدمنا من جمعه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بين ضمير اللَّه وضميره ويمكن أن يقال أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم إنما أنكر على ذلك الخطيب التشريك لأنه فهم منه اعتقاد التسوية فنبهه على خلاف معتقده وأمره بتقديم اسم اللَّه تعالى على اسم رسوله ليعلم بذلك فساد ما اعتقده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقد غوى‏)‏ بفتح الواو وكسرها والصواب الفتح كما في شرح مسلم وهو من الغي وهو الانهماك في الشر‏.‏

ـ وقد اختلف ـ أهل العلم في حكم خطبة الجمعة فذهبت العترة والشافعي وأبو حنيفة ومالك إلى الوجوب ونسبه القاضي عياض إلى عامة العلماء واستدلوا على الوجوب بما ثبت عنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بالأحاديث الصحيحة ثبوتًا مستمرًا أنه كان يخطب في كل جمعة وقد عرفت غير مرة أن مجرد الفعل لا يفيد الوجوب واستدلوا أيضًا بقوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏صلوا كما رأيتموني أصلي‏)‏‏.‏

وهو مع كونه غير صالح للاستدلال به على الوجوب لما قدمنا في أبواب صفة الصلاة ليس فيه إلا الأمر بإيقاع الصلاة على الصفة التي كان يوقعها عليها والخطبة ليست بصلاة واستدلوا أيضًا بقوله تعالى ‏{‏فاسعوا إلى ذكر اللَّه‏}‏ وفعله للخطبة بيان للمجمل وبيان المجمل الواجب واجب ورد بأن الواجب بالأمر هو السعي فقط وتعقب بأن السعي ليس مأمورًا به لذاته بل لمتعلقه وهو الذكر ويتعقب هذا التعقب بأن الذكر المأمور بالسعي إليه هو الصلاة غاية الأمر أنه متردد بينها وبين الخطبة وقد وقع الاتفاق على وجوب الصلاة والنزاع في وجوب الخطبة فلا ينتهض هذا الدليل للوجوب فالظاهر ما ذهب إليه الحسن البصري وداود الظاهري والجويني من أن الخطبة مندوبة فقط وأما الاستدلال للوجوب بحديث أبي هريرة المذكور وفي أول الباب وبحديثه أيضًا عند البيهقي في دلائل النبوة مرفوعًا حكاية عن اللَّه تعالى بلفظ‏:‏ ‏(‏وجعلت أمتك لا تجوز لهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي‏)‏ فوهم لأن غاية الأول عدم قبول الخطبة التي لا حمد فيها وغاية الثاني عدم جواز خطبة لا شهادة فيها بأنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عبد اللَّه ورسوله والقبول والجواز وعدمهما لا ملازمة بينها وبين الوجوب قطعًا‏.‏

4 - وعن جابر بن سمرة رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يخطي قائمًا ويجلس بين الخطبتين ويقرأ آيات ويذكر الناس‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يخطب قائمًا‏)‏ فيه أن القيام حال الخطبة مشروع وسيأتي الخلاف في حكمه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويجلس بين الخطبتين‏)‏ فيه مشروعية الجلوس بين الخطبتين واختلف في وجوبه فذهب الشافعي والإمام يحيى إلى وجوبه وذهب الجمهور إلى أنه غير واجب‏.‏

استدل من أوجب ذلك بفعله صلى اللَّه عليه وآله وسلم وقوله ‏(‏صلوا كما رأيتموني أصلي‏)‏ وقد قدمنا الجواب عن مثل هذا الاستدلال وأنه غير صالح لإثبات الوجوب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بين الخطبتين‏)‏ فيه أن المشروع خطبتان وقد ذهب إلى وجوبهما العترة والشافعي وحكى العراقي في شرح الترمذي عن مالك وأبي حنيفة والأوزاعي وإسحاق بن راهويه وأبي ثور وابن المنذر وأحمد بن حنبل في رواية أن الواجب خطبة واحدة قال‏:‏ وإليه ذهب جمهور العلماء ولم يستدل من قال بالوجوب إلا بمجرد الفعل مع قوله ‏(‏صلوا كما رأيتموني‏)‏ الحديث‏.‏ وقد عرفت أن ذلك لا ينتهض لإثبات الوجوب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويقرأ آيات ويذكر الناس‏)‏ استدل به على مشروعية القراءة والوعظ في الخطبة وقد ذهب الشافعي إلى وجوب الوعظ وقراءة آية وإلى ذلك ذهب الإمام يحيى ولكنه قال تجب قراءة سورة وذهب الجمهور إلى عدم الوجوب وهو الحق‏.‏

5 - وعنه أيضًا رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أنه كان لا يطيل الموعظة يوم الجمعة إنما هي كلمات يسيرات‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري وهو من رواية شيبان بن عبد الرحمن النحوي عن سماك ورجال إسناده ثقات وفيه أن الوعظ في الخطبة مشروع وأن اقصار الخطبة أولى من إطالتها وسيأتي الكلام على ذلك‏.‏

6 - وعن أم هشام بنت حارثة بن النعمان رضي اللَّه عنها قالت‏:‏ ‏(‏ما أخذت ق والقرآن المجيد إلا عن لسان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقرؤها كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود‏.‏

وفي الباب عن يعلى بن أمية عند البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي قال‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقرأ على المنبر ونادوا يا مالك‏)‏ وعن أبي هريرة عند البزار قال‏:‏ ‏(‏خطبنا النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يوم جمعة فذكر سورة‏)‏ وله حديث آخر عند ابن عدي في الكامل قال‏:‏ ‏(‏خطب النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم الناس على المنبر يقرأ آيات من سورة البقرة‏)‏‏.‏

وعن أُبيِّ بن كعب عند ابن ماجه‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قرأ يوم الجمعة تبارك وهو قائم يذكر بأيام اللَّه تعالى‏)‏ وهو من رواية عطاء بن يسار عن أُبيِّ ولم يدركه‏.‏

وعن جابر بن عبد اللَّه عند الطبراني في الأوسط‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم خطب فقرأ في خطبته آخر الزمر فتحرك المنبر مرتين‏)‏ وفي إسناده أبو بحر البكروئي واسمه عبد الرحمن بن عثمان بن أمية وقد طرح الناس حديثه‏.‏ وقال أبو داود‏:‏ صالح‏.‏ وفي إسناده أيضًا عباد بن ميسرة المنقري ضعفه أحمد ويحيى‏.‏

وعن ابن عمر عند ابن عدي في الكامل بلفظ حديث جابر بن عبد اللَّه وفي إسناده عباد بن ميسرة وهو ضعيف كما تقدم وله حديث آخر عند ابن عدي‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قرأ على المنبر والأرض جميعًا قبضته‏)‏ الآية‏.‏ وفي إسناده المنكدر بن محمد وقد ضعفه النسائي‏.‏

وعن علي بن أبي طالب سلام اللَّه عليه عند الطبراني في الأوسط‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يقرأ على المنبر قل يا أيها الكافرون وقل هو اللَّه أحد‏)‏ وفي إسناده هارون بن عنترة قال ابن حبان‏:‏ لا يجوز أن يحتج به منكر الحديث ووثقه أحمد بن حنبل ويحيى ابن معين‏.‏ وقال الدارقطني‏:‏ يحتج به‏.‏

وعن أبي الدرداء عند الطبراني أيضًا بنحو حديث أبي هريرة المتقدم‏.‏

وعن أبي ذر عند الطبراني أيضًا بنحو حديث أبي هريرة أيضًا‏.‏

وعن أبي سعيد عند أبي داود قال‏:‏ ‏(‏قرأ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وهو على المنبر ‏{‏ص‏}‏ فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه‏)‏ قال العراقي‏:‏ وإسناده صحيح‏.‏

وقد استدل بحديث الباب وما ذكرناه من الأحاديث على مشروعية قراءة شيء من القرآن في الخطبة ولا خلاف في الاستحباب وإنما الخلاف في الوجوب كما تقدم‏.‏ وقد اختلف في محل القراءة على أربعة أقوال‏:‏

الأول‏:‏ في إحداهما لا بعينها وإليه ذهب الشافعي وهو ظاهر إطلاق الأحاديث‏.‏

والثاني‏:‏ في الأولى وإلى ذلك ذهبت الهادوية وبعض أصحاب الشافعي واستدلوا بما رواه ابن أبي شيبة عن الشعبي مرسلًا قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا صعد المنبر يوم الجمعة استقبل الناس بوجهه ثم قال السلام عليكم ويحمد اللَّه تعالى ويثني عليه ويقرأ سورة ثم يجلس ثم يقوم فيخطب ثم ينزل وكان أبو بكر وعمر يفعلانه‏)‏‏.‏

والقول الثالث‏:‏ إن القراءة مشروعة فيهما جميعًا وإلى ذلك ذهب العراقيون من أصحاب الشافعي‏.‏ قال العراقي‏:‏ وهو الذي اختاره القاضي من الحنابلة‏.‏

والرابع‏:‏ في الخطبة الثانية دون الأولى حكاه العمراني ويدل له ما رواه النسائي عن جابر بن سمرة قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يخطب قائمًا ثم يجلس ثم يقوم ويقرأ آيات ويذكر اللَّه عز وجل‏)‏ قال العراقي‏:‏ وإسناده صحيح وأجيب عنه بأن قوله يقرأ معطوف على قوله يخطب لا على قوله يقوم‏.‏

والظاهر من أحاديث الباب أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان لا يلازم قراءة سورة أو آية مخصوصة في الخطبة بل كان يقرأ مرة هذه السورة ومرة هذه ومرة هذه الآية ومرة هذه‏.‏

 باب هيآت الخطبتين وآدابهما

1 - عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يخطب يوم الجمعة قائمًا ثم يجلس ثم يقوم كما يفعلون اليوم‏)‏‏.‏

رواه الجماعة‏.‏

2 - وعن جابر بن سمرة رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يخطب قائمًا ثم يجلس ثم يقوم فيخطب قائمًا فمن قال أنه يخطب جالسًا فقد كذب فقد واللَّه صليت معه أكثر من ألفي صلاة‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وأبو داود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يخطب يوم الجمعة قائمًا‏)‏ فيه أن القيام حال الخطبة مشروع‏.‏ قال ابن المنذر‏:‏ وهو الذي عليه عمل أهل العلم من علماء الأمصار اهـ‏.‏

واختلف في وجوبه فذهب الجمهور إلى الوجوب ونقل عن أبي حنيفة أن القيام سنة وليس بواجب وإلى ذلك ذهبت الهادوية‏.‏ واستدل الجمهور على الوجوب بحديثي الباب وبغيرهما من الأحاديث الصحيحة‏.‏ وأخرج ابن أبي شيبة عن طاوس قال‏:‏ خطب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قائمًا وأبو بكر وعمر وعثمان وأول من جلس على المنبر معاوية‏.‏

وروى ابن أبي شيبة عن الشعبي أن معاوية إنما خطب قاعدًا لما كثر شحم بطنه ولحمه ولا شك أن الثابت عنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وعن الخلفاء الراشدين هو القيام حال الخطبة ولكن الفعل بمجرده لا يفيد الوجوب كما عرفت غير مرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم يجلس‏)‏ فيه مشروعية الجلوس بين الخطبتين وقد تقدم الخلاف في حكمه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فمن قال إنه يخطب‏)‏ رواية أبي داود‏:‏ ‏(‏فمن حدثك أنه كان يخطب‏)‏ ورواية مسلم‏:‏ ‏(‏فمن نبأك أنه كان يخطب‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أكثر من ألفي صلاة‏)‏ قال النووي‏:‏ المراد الصلوات الخمس لا الجمعة اهـ‏.‏ ولا بد من هذا لأن الجمع التي صلاها صلى اللَّه عليه وآله وسلم من عند افتراض صلاة الجمعة إلى عند موته لا تبلغ ذلك المقدار ولا نصفه‏.‏

3 - وعن الحكم بن حزن الكلفي رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏قدمت إلى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم سابع سبعة أو تاسع تسعة فلبثنا عنده أيامًا شهدنا فيها الجمعة فقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم متوكئًا على قوس أو قال على عصا فحمد اللَّه وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات ثم قال‏:‏ أيها الناس إنكم لن تفعلوا ولن تطيقوا كل ما أمرتم ولكن سددوا وأبشروا‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

الحديث في إسناده شهاب بن حراش أبو الصلت وقد اختلف فيه فقال ابن المبارك‏:‏ ثقة‏.‏ وقال أحمد ويحيى بن معين وأبو حاتم‏:‏ لا بأس به وقال ابن حبان‏:‏ كان رجلًا صالحًا وكان ممن يخطئ كثيرًا حتى خرج عن الاعتداد به‏.‏ قال الحافظ‏:‏ والأكثر وثقوه وقد صحح الحديث ابن خزيمة وابن السكن وحسن إسناده الحافظ قال‏:‏ وله شاهد من حديث البراء بن عازب عند أبي داود‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أعطى يوم العيد قوسًا فخطب عليه‏)‏ وطوله أحمد والطبراني وصححه ابن السكن‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن ابن عباس وابن الزبير عند أبي الشيخ ابن حبان في كتاب أخلاق النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏.‏

وفي الباب أيضًا عن عطاء مرسلًا‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان إذا خطب يعتمد على عنزته اعتمادًا‏)‏ أخرجه الشافعي وفي إسناده ليث ابن أبي سليم وهو ضعيف‏.‏

الحديث فيه مشروعية الاعتماد على سيف أو عصى حال الخطبة قيل والحكمة في ذلك الاشتغال عن العبث وقيل إنه أربط للجأش‏.‏ وفيه أيضًا مشروعية اشتمال الخطبة على الحمد للّه والوعظ وقد تقدم الخلاف في الوعظ‏.‏ وأما الحمد للّه فذهب الجمهور إلى أنه واجب في الخطبة‏.‏ وكذلك الصلاة على النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏.‏

وحكى في البحر عن الإمام يحيى أنه لا بد في الخطبتين من الحمد والصلاة على النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وعلى آله إجماعًا‏.‏

4 - وعن عمار بن ياسر رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏ والمئنة العلامة والمظنة‏.‏

5 - وعن جابر بن سمرة رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏كانت صلاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قصدًا وخطبته قصدًا‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري وأبا داود‏.‏

6 - وعن عبد اللَّه ابن أبي أوفى رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يطيل الصلاة ويقصر الخطبة‏)‏‏.‏

رواه النسائي‏.‏

حديث ابن أبي أوفى قال العراقي في شرح الترمذي‏:‏ إسناده صحيح‏.‏

وفي الباب عن عبد اللَّه بن مسعود عند البزار‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إن قصر الخطبة وطول الصلاة مئنة من فقه الرجل فطولوا الصلاة واقصروا الخطب وإن من البيان لسحرًا وأنه سيأتي بعدكم قوم يطيلون الخطب ويقصرون الصلاة‏)‏ وقد رواه الطبراني في الكبير موقوفًا على عبد اللَّه‏.‏ قال العراقي‏:‏ وهو أولى بالصواب لاتفاق سفيان وزائدة على ذلك وانفراد قيس برفعه‏.‏

وعن أبي أمامة عند الطبراني في الكبير‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان إذا بعث أميرًا قال‏:‏ اقصر الخطبة وأقلل الكلام فإن من الكلام سحرًا‏)‏ وفي إسناده جميع بالفتح ويقال بالضم مصغرًا ابن ثوب بضم المثلثة وفتح الواو بعدها‏.‏ قال البخاري والدارقطني‏:‏ إنه منكر الحديث‏.‏ وقال النسائي‏:‏ متروك الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مئنة‏)‏ قال النووي‏:‏ بفتح الميم ثم همزة مكسورة ثم نون مشددة أي علامة قال‏:‏ وقال الأزهري والأكثرون الميم فيها زائدة وهي مفعلة‏.‏

قال الهروي‏:‏ قال الأزهري غلط أبو عبيد في جعل الميم أصلية ورده الخطابي وقال‏:‏ إنما هي فعيلة وقال القاضي عياض‏:‏ قال شيخنا ابن سراج هي أصلية انتهى‏.‏

وإنما كان إقصار الخطبة علامة من فقه الرجل لأن الفقيه هو المطلع على جوامع الألفاظ فيتمكن بذلك من التعبير باللفظ المختصر على المعاني الكثيرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة‏)‏ قال النووي‏:‏ الهمزة في اقصر همزة وصل‏.‏ وظاهر الأمر بإطالة الصلاة في هذا الحديث المخالفة لقوله في حديث جابر بن سمرة‏:‏ ‏(‏كانت صلاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قصدًا وخطبته قصدًا‏)‏ وقال النووي‏:‏ لا مخالفة لأن المراد بالأمر بإطالة الصلاة بالنسبة إلى الخطبة لا التطويل الذي يشق على المؤتمين قال العراقي‏:‏ أو حيث احتيج إلى التطويل لادراك بعض من تخلف قال‏:‏ وعلى تقدير تعذر الجمع بين الحديثين يكون الأخذ في حقنا بقوله لأنه أدل لا بفعله لاحتمال التخصيص انتهى‏.‏

وقد ذكرنا غير مرة أن فعله صلى اللَّه عليه وآله وسلم لا يعارض القول الخاص بالأمة مع عدم وجدان دليل يدل على التأسي في ذلك الفعل بخصوصه وهذا منه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قصدًا‏)‏ القصد في الشيء هو الاقتصاد فيه وترك التطويل‏.‏ وإنما كانت صلاته صلى اللَّه عليه وآله وسلم وخطبته كذلك لئلا يمل الناس‏.‏

وأحاديث الباب فيها مشروعية إقصار الخطبة ولا خلاف في ذلك ‏[‏والعجب من أقوام ينسبون إلى السنة أو إلى السلف ويطيلون الخطبة في صلاة الجمعة حتى تمل الناس سماع خطبتهم ولربما يأتون بخطبهم بما يروج اعتقادهم أو يحبذ رأيهم أو إطراء الشيخ والثناء عليه وغير ذلك مما يخرجها عن مقصودها المشروع له الخطبة ويقصرون الصلاة ويتجاهلون أن فعل ذلك مخالف للسلف الصالح ومع هذا لو نبههم شخص إلى مثل ذلك تأولوا له باحتمالات عقلية وأدلة وهمية نسأل اللَّه أن يوفق أئمة المساجد إلى العمل بالمشروع لا سيما ما كان له دخل في العبادات واللَّه أعلم‏]‏‏.‏ واختلف في أقل ما يجزئ على أقوال مبسوطة في كتب الفقه‏.‏

7 - وعن جابر رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم‏)‏‏.‏

رواه مسلم وابن ماجه‏.‏

الحديث تمامه في صحيح مسلم‏:‏ ‏(‏ويقول أما بعد فإن خير الحديث كتاب اللَّه وخير الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا خطب احمرت عيناه‏)‏ فيه أنه يستحب للخطيب أن يفخم أمر الخطبة ويرفع صوته ويجزل كلامه ويظهر غاية الغضب والفزع لأن تلك الأوصاف إنما تكون عند اشتدادهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يقول‏)‏ أي منذر الجيش‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صبحكم‏)‏ فاعله ضمير يعود إلى العدو المنذر منه ومفعوله يعود إلى المنذرين‏.‏ وكذلك قوله ‏(‏ومساكم‏)‏ أي أتاكم العدو وقت الصباح أو وقت المساء‏.‏

8 - وعن حصين بن عبد الرحمن رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏كنت إلى جنب عمارة ابن رؤيبة وبشر بن مروان يخطبنا فلما دعا رفع يديه فقال عمارة يعني قبح اللَّه هاتين اليدين رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وهو على المنبر يخطب إذا دعا يقول هكذا فرفع السبابة وحدها‏)‏‏.‏

رواه أحمد والترمذي بمعناه وصححه‏.‏

9 - وعن سهل ابن سعد رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏ما رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم شاهرًا يديه قط يدعو على منبر ولا غيره ما كان يدعو إلا يضع يده حذو منكبه ويشير بإصبعه‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود وقال فيه‏:‏ ‏(‏لكن رأيته يقول هكذا وأشار بالسبابة وعقد الوسطى بالإبهام‏)‏‏.‏

الحديث الأول أخرجه أيضًا مسلم والنسائي والحديث الثاني في إسناده عبد الرحمن بن إسحاق القرشي ويقال له عباد بن إسحاق وفيه مقال كذا قال المنذري‏.‏

‏(‏وفي الباب‏)‏ عن غطيف بن الحارث الثمالي عند أحمد والبزار قال‏:‏ بعث إليَّ عبد الملك بن مروان فقال‏:‏ يا أبا سليمان إنا قد جمعنا الناس على أمرين فقال‏:‏ وما هما فقال‏:‏ رفع الأيدي على المنابر يوم الجمعة والقصص بعد الصبح فقال‏:‏ أما أنهما أمثل بدعتكم عندي ولست بمجيبكم إلى شيء منها‏.‏ قال‏:‏ لم قال‏:‏ لأن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة فتمسك بسنة خير من إحداث بدعة‏)‏ وفي إسناده ابن أبي مريم وهو ضعيف وبقية وهو مدلس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال عمارة يعني‏)‏ لفظ يعني ليس في مسلم ولا في سنن أبي داود ولا الترمذي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قبح اللَّه هاتين اليدين‏)‏ زاد الترمذي القصيرتين‏.‏

والحديثان المذكوران في الباب يدلان على كراهة رفع الأيدي على المنبر حال الدعاء وأنه بدعة‏.‏ وقد ثبت في الصحيحين من حديث أنس قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء فإنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه‏)‏ وظاهره أنه لم يرفع في غير الاستسقاء‏.‏ قال النووي‏:‏ وليس الأمر كذلك بل قد ثبت رفع يديه في الدعاء في مواطن وهي أكثر من أن تحصى قال‏:‏ وقد جمعت منها نحوًا من ثلاثين حديثًا من الصحيحين انتهى‏.‏

وظاهر حديثي الباب أنها تجوز الإشارة بالإصبع في خطبة الجمعة ‏.‏